فرنسا والرقص على الإرهاب: ماذا لو ثبت «التورط السوري؟!..»
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
فرنسا والرقص على الإرهاب: ماذا لو ثبت «التورط السوري؟!..»
فراس عزيز ديب
عبارةٌ وضعها مواطنٌ فرنسيٌ ليعبِّر عن موقفه مما جرى في الأسبوع الباريسي الدامي، أراد ببساطةٍ أن يقول أنا لست من معجبي الصحيفة، لكنني اليوم أنا «شارلي ايبدو». عبارةٌ على بساطتها تبدو وكأنَّها اختصرت أمرين مهمين:
الأول: حجم الانتصارات المجانية التي يمنحها «الأغبياء» لـ«الحاقدين»، هذا في حال صحَّت الرواية الرسمية الفرنسية عن أن «الأخوين كواش» هما من نفذا هذه العملية بدافع الثأر من رسامي الكاريكاتير في هذه الصحيفة، لتتحول هذه الصحيفة- بما تمثل من خط عنصري معاد للإسلام- من صحيفةٍ «درجة عاشرة» من حيث المبيعات وعدد القرَّاء إلى صحيفةٍ باتت حديث الجميع حول العالم. الحدث بدَّلَ شكل التعاطي الإعلامي في فرنسا من «الرزين» إلى «المتخبط». لدرجةٍ دفع بعض الصحف التي كانت توصف بـ«المعتدلة» والرافضة لفكرة الإساءة للرموز الدينية، إلى إعادة نشر بعض من هذه الرسومات على موقعها الالكتروني من باب التضامن مع «شارلي ايبدو». مَن ظنَّ أن هذا الأسلوب سيكون رادعاً لقيام الصحف بنشر المزيد من الكاريكاتيرات، فإنَّه ومن حيث لا يعلم أعطى الفرصة لـ«المحرك الأساسي» الذي يقف وراء نشر هذه الصور لتوسيع نطاق عمله، وإعطائه المزيد من المساحة حتى بين الفرنسيين المعتدلين الرافضين لأي شكلٍ من أشكال «صدام الحضارات» التي تحدث عنها ساركوزي يوماً، وأدى بوزيرة عدله «رشيدة داتي» لـ«الحرد».
الثاني: هو قدرة الحكومات الغربية على جر التعاطف الشعبي وتهيئة الأرضية المناسبة لها عندما تريد أن تنقل بندقيتها من جهةٍ إلى أخرى. لكنَّ هذا كله لا يكفي فالأمر ليس بهذه البساطة، لأن إصرار البعض على المبالغة بتشبيه الحادث بـ11 أيلول فرنسي كما فعلت صحيفة «لوموند» الفرنسية لا يبدو في مكانه. في أميركا كان المشهد الهوليودي قريباً للواقع، فخطف الطائرات ليس بالأمر الصعب، لكن علينا الاعتراف أن حجم الهزة وعدد الضحايا أو «سقوط الغرور الأميركي بسقوط البرجين» دفعا الأميركيين لتجاهل التفاصيل والبحث عن الثأر متوحدين خلف «جورج بوش».
أما في الحالة الفرنسية فالأسئلة كثيرة قد ننتظر الأجوبة عليها، فانطلاقاً من «الجنسية الفرنسية» التي يحملها الشقيقان المولودان أصلاً في فرنسا، نصل لكيفية حصول هذين المسلحين على هذا السلاح المتطور، وعبورهما بكل هدوء حيث الهدف الذي تم التعامل معه بحرفية. السلطات الفرنسية لم تحدد كيف تم التعرف إلى هوية الفاعلين، وإنْ كانت هناك أحاديثٌ تتقاطع مع فكرة أن أحدهما نسي «هويته» في السيارة، وهذا خطأٌ يتعارض تماماً مع الحرفية التي تم فيها تنفيذ العملية. الأدقُ من ذلك هو ما قالته إحدى اللواتي كنَّ محاصراتٍ داخل مبنى الجريدة بأن المهاجمين تحدثوا بلغةٍ فرنسيةٍ واضحةٍ، وهذا الأمر أيضاً يتعارض مع «اللكنة» الفرنسية للمتحدرين من أصولٍ مغاربيةٍ ويستطيع الجميع أن يميزها، فكيف وأنَّ ذات السيدة اعترفت بأن المهاجمين قالوا لهم «نحن من القاعدة». هذا من دون أن نُسقط أمراً أكثر أهمية وهو سقوط الأخوين «قتيلين» وهما لا يزالان يحملان صفة «المشتبه بهما»، أي أن الحرب على الإرهاب من المنظور الأوروبي تتيح للسلطات الأمنية (التي أدى إرباكها لجعل البعض يتساءل ما هو الحال لو كان عدد المهاجمين عشرين؟) التعاملَ بحزمٍ مع ما يتهدد أمنها، فيما لا يزال «لوران فابيوس» يتكلم عن جبهة النصرة في سورية بوصفها «معارضة معتدلة تؤدي دورها بشكلٍ جيدٍ»، فهل تتحمل الحكومة الاشتراكية الحالية مسؤولية هذه الأحداث؟!
حاول فرانسوا هولاند طيلة ساعات الأزمة عبر أحاديث «مملة» استيعاب الشارع، لكن كان لافتاً قوله بأنَّه لن يرضخ للإرهابيين. حديث فرانسوا هولاند المتناقض يجعلنا نتساءل: كيف يعمِّق علاقته مع الدول الداعمة للإرهاب كتركيا وبعض مشيخات النفط، وفي الوقت ذاته يجاهد لإسقاط آخر الدول التي تطبق العلمانية السياسية- وإن نسبياً- في المنطقة؟ بل هو ذاته اعترف أنه أمدَّ المسلحين في سورية وليبيا بالسلاح، ويتجاهل أن هذين الشابين كان أحدهما على الأقل عائد من سورية حيث كان يقاتل إلى جانب التنظيمات الإرهابية. الاستخبارات الفرنسية لديها معلوماتٌ كاملةٌ بأن أحد الأخوين سافر إلى سورية في وقتٍ ما من العام الماضي، فهل سأل فرانسوا هولاند نفسه كيف عبرَ هذا الشاب إلى سورية عبر تركيا، وكيف عاد منها وعبر المطارات؟ علماً أن المنطق يقول إن جواز سفره ليس مختوماً على اعتبار أن المعابر السورية مع تركيا بالكامل هي تحت سيطرة الإرهابيين؟ أي أن هولاند يطبق سياسةً أسميناها سابقاً «لا أفق».... لن نرضخ للإرهابيين، لكن لا مانع من التعاون وتعميق العلاقات مع داعميهم!
النقطة الثانية والتي تبدو بذات الأهمية أن «شريف كواش» الذي مُنع عام 2005 من الذهاب إلى سورية للمرور إلى العراق كان على صلةٍ بالمدعو «جمال بيغال»، الذي اتهم بالتخطيط لتفجير السفارة الأميركية في باريس، دون إسقاط واقعة ذهابه لليمن وتلقيه التعاليم الدينية بإشراف «أنور العولقي»، فكيف لشخصٍ بهذه الخطورة أن يُترك حراً بهذه الطريقة غير المفهومة؟ أم أن هناك من افترض أنه بحكم المنتهي فور ذهابه إلى سورية؟ هل تقدم الحكومة الفرنسية بطريقةٍ واضحةٍ وشفافةٍ للفرنسيين معلوماتٍ عن أعداد الأوروبيين الذين يقاتلون الآن في سورية مع التنظيمات الإرهابية؟ أم أن هذا الأمر ضربٌ من المستحيل، لأن الأرقام الحقيقية ستؤكد أن ما يجري في سورية ليس ثورةً شعبيةً، بل هي المقر الأساسي للحرب على الإرهاب. هذا الكلام لا يخدم الحكومة الفرنسية لأنها في هذه الحالة عليها أن تبرر حربها على القيادة السورية، ودعمها بالسلاح لمن يحاربهم الجيش السوري وهم ينهلون في النهاية من الفكر ذاته الذي نهل منه هذان الشابان، فهل ظنوا أن الفكر المتطرف مات بموتهما، لكن ما هي الآثار القادمة لمثل هذا الحدث؟
في أساس البحث عن خفايا الجريمة هو أن تبحث عن المستفيد، فمن هو المستفيد؟ لعل أهم ميزات هذه الجريمة أن الجميع- باستثناء القتلى- مستفيدون. قد يبدو الكيان الصهيوني مستفيداً بهدف لجم الاندفاعة الفرنسية نحو إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإثبات تخوفاته المزعومة من «الإرهاب» من دون إسقاط فرضية أنه المحرك الأساسي لكلِّ ما يسيء للإسلام والرموز الإسلامية. لكن يبدو المستفيد الأكثر منطقية من هذا الحدث هو اليمين المتطرف.
ماري لوبان وجدت بالحادثة فرصة لتعميق شعبيتها التي تعيش هذه الأيام أفضل حالاتها، عبر المزيد من التحريض، هذا يعني أن ما كنا توقعناه بدأ يلوح في الأفق؛ إنه الصدام القادم بين المتطرفين دينياً والمتطرفين قومياً. كذلك الأمر على المجتمع الفرنسي المُهدد أن يأخذ بعين الاعتبار أيضاً أن النظرة التهميشية لأبناء الضواحي الفقيرة وتركهم ألعوبةً بيد الجمعيات الإسلامية المدعومة مالياً من كل من قطر والسعودية، إضافة إلى أن سيطرة الفكر الوهابي على هذه الجوامع والمدارس الدينية تنذر بالكثير. من هنا تبدو المشكلة ليست بالإسلام، فالإسلام الذي أنجب هؤلاء المتطرفين هو ذاته الإسلام الذي أنجب شخصيات مرموقة أثرت في المجتمع الفرنسي، لكنَّ هناك من سنحت له الظروف للهروب من تهميش الدولة ونبذ المجتمع له، وهناك من أجبرته الظروف أن يستسلم للواقع وأنْ يجعل منه صحفاً هدفاً له لأن حرية التعبير لا يجب أن تجيز إهانة المقدسات. النقطة الأهم من ذلك أن حرية التعبير لا يجب أن تكون انتقائية، لأنها أدت لحالة اللاتوازن، تلك التي تخفي الكثير في قادمات الأيام ما لم تكن هناك وقفةٌ شجاعةٌ لبعض الدول الأوروبية التي ما زالت قياداتها جادة في موضوع الحرب على الإرهاب، فهل يعني ذلك أن القيادة السورية استفادت أيضاً من هذا الحدث؟
حتى الساعة يبدو قرار القيادة السورية واضحاً، لا تعاون أمنياً ما لم يترافق مع تعاون سياسي. بالتالي لا نعلم إن كانت التصريحات القادمة ستُبنى على اتهام الاستخبارات السورية باعتقال الأخوين وغسل دماغهما وإرسالهما لتنفيذ العملية- كما هرَّج بعض أقطاب معارضة الفنادق-، لكي يستمر المشهد أكثر كوميدية نتمنى أن يثبت الفرنسيون هذا التورط السوري. يوماً ما عندما تأكدت المعلومات أن منفذي أحداث أيلول بأغلبيتهم من مملكة «آل سعود» ويحملون الفكر الوهابي، خرج جورج بوش للثأر من المهاجمين في العراق وأفغانستان، فهل تورط الاستخبارات السورية بالحدث قد يدفع الجميع لمحاربة الإرهاب في مكانه الصحيح انطلاقاً من نظرية «الحوَل السياسي» التي يتقنها تجار حقوق الإنسان والديمقراطية الغربية؟ تحديداً إذا ما أخذنا بالحسبان تصريحات رئيس المخابرات البريطانية بأن مجموعة «إسلامية متطرفة» متواجدة في سورية تخطط لشن اعتداءات واسعة في الغرب. تصريحاتٌ تحمل في طياتها احتمالات كثيرة قد لا تحتاج إلى كثير من الوقت لكي تظهر، تحديداً بعد أن ترافقت مع تسريبات «ديرشبيغل» حول مفاعل نووي سوري جديد!
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» الإرهاب أم النفط ..أيهما هدف فرنسا في ليبيا؟
» على ماذا عثر الجيش السوري في النبك؟!
» الرقص مع الإرهاب.. وسقوط الأقنعة.. ماذا بعد؟
» ماذا بعد التحالف الدولي لضرب الإرهاب؟
» فرنسا تغازل الجزائر للتدخل عسكريا باسم مكافحة الإرهاب في ليبيا
» على ماذا عثر الجيش السوري في النبك؟!
» الرقص مع الإرهاب.. وسقوط الأقنعة.. ماذا بعد؟
» ماذا بعد التحالف الدولي لضرب الإرهاب؟
» فرنسا تغازل الجزائر للتدخل عسكريا باسم مكافحة الإرهاب في ليبيا
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 12:48 am من طرف larbi
» بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ترحب بإعلان النتائج الأولية للانتخابات البلدية
الإثنين نوفمبر 25, 2024 10:47 am من طرف larbi
» مراسل التلفزوين العربي: 4 ملايين إسرائيلي يدخلون الملاجئ وحيفا تتحول لمدينة أشباح
الأحد نوفمبر 24, 2024 10:23 pm من طرف larbi
» يوم كئيب في تل أبيب» حزب الله يقصف إسرائيل 5 مرات متوالية و4 ملايين في الملاجئ.
الأحد نوفمبر 24, 2024 10:14 pm من طرف larbi
» عصبة العز وثلة الهوان
الأحد نوفمبر 24, 2024 6:40 pm من طرف عبد الله ضراب
» الاهبل محمد بن سلمان يحاصر الكعبة الشريفة بالدسكوهات و الملاهي الليلية
السبت نوفمبر 23, 2024 9:34 pm من طرف larbi
» نكبة بلد المشاعر
السبت نوفمبر 23, 2024 4:41 pm من طرف عبد الله ضراب
» صلاح الدين الايوبي
الخميس نوفمبر 21, 2024 10:36 pm من طرف larbi
» جنائية الدولية تصدر أمري اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
الخميس نوفمبر 21, 2024 4:06 pm من طرف larbi
» الى فرسان اليمن
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:52 pm من طرف larbi