الغرب ومحاولات استعادة المشهد
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
الغرب ومحاولات استعادة المشهد
عبد المنعم علي عيسى
تظهر بوضوح لكل متابع حركة المد والجزر في تعاطي صانع القرار السياسي المصري مع الأحداث الأمنية التي لم تخبُ منذ كانون الثاني 2011 إلا أنها تصاعدت في الآونة الأخيرة حتى بات من الممكن القول: إن ما جرى في 29/1/2015 في سيناء كان استباقاً لمرحلة يرتفع فيها «رتم» العنف كما لم يكن في السابق.
في تعاطي الثالوث الأميركي- الإسرائيلي- السعودي مع ما يجري في المنطقة كان واضحاً ماذا يريده هؤلاء، إلا أن غير الواضح كان ما تريده القاهرة التي وقعت بين تجاذب ضرورات الأمن القومي المصري وضغوط الخارج حتى اختلطت الرؤيا في تحديد الأولوية لمليارات الخليج أم للأمن والاستقرار؟.
الأهداف الأميركية والإسرائيلية (وكذلك السعودية حيث لم تزل الرياض مقتنعة بالحماية الأميركية لها لدرء خطر داعش حتى بعد أن قام البغدادي بتعيين أمير له على مكة المكرمة (17/2/2015) في دعم تنظيم الدولة الإسلامية، ليست مستترة وهي تسعى إلى نشوب حروب إبادة أو تطهير عرقي في المنطقة دعماً لنموذج الدولة اليهودية الصرفة الذي لم تنفك القيادات الإسرائيلية عن المناداة بها سواءً كانوا في السلطة أم في المعارضة.
لم يكن ما جرى في 15/2/2015 حدثاً مفاجئاً أو استثنائياً، إلا أنه يعتبر نذيراً بانتقال الخطة إلى الشمال الإفريقي (العربي تحديداً) فمصر ديموغرافياً لا تعاني من انقسامات مذهبية، الأمر الذي حتم إثارة النزعة الدينية (مسيحين ومسلمين) ولو لم تكن هذه الأخيرة موجودة لتم استثمار الفجوات القائمة ما بين الشمال المصري والصعيد تلك التي راكمها مسار التطور في البلاد ونتج عنها اختلاف كبير في التكوين الثقافي والاجتماعي للشخصية الناتجة عن كل منهما على حدة، وهو أمر سوف يعمل عليه لاحقاً بالتأكيد في فترة تطول أو تقصر تبعاً لتسارع- وتباطؤ- الأحداث.
لم يكن الرئيس المصري منذ وصوله إلى السلطة في 8/6/2014 يرى أن نظامه سوف يكون مستقراً أو بعيداً عن الأحداث المشتعلة في المنطقة في ظل وجود بنوك خليجية متناوبة تفتح أبوابها على مصاريعها استسقاءً للدم ولاستنساخ المليارات من الدولارات، ومع ذلك نراه يذهب إلى تصريحات «مرنة» وجميعها ذات نكهة مصرية أو مصبوغة بلون الجيش المصري، مبتعداً بذلك عن خطط ومشاريع إقليمية على الرغم من أنه يدرك (كما تبين من تصريحاته) أن مناخات الأمن القومي المصري تتحدد بعيداً عن الجغرافيا المصرية في بلاد الشام، حيث كانت القاهرة على الدوام هي المدينة الأولى التي تلي سقوط دمشق فهي فتحت أمام المسلمين في العام 638م أي بعد عامين من فتح دمشق (636م) وهي سقطت بيد الأتراك (1517م) في العام التالي لاحتلال سورية(1516م)، ولم تصمد (القاهرة) أكثر من تسعة وعشرين يوماً بعد سقوط دمشق بيد الحلفاء في 1 تشرين أول 1918.
صحيح أن ذلك الأداء كان ممهوراً بأختام سعودية، إلا أن ذلك لا يعني وضعاً للحصان المصري أمام العربة المصرية بل العكس، هذا بالإضافة إلى أن رياح التطرف والإرهاب مثلها مثل الرياح النووية التي تمضى في مسارها غير آبهة بالحدود والدساتير ولا بالمعاهدات والأعراف كما لم تنتظر الرياح الصادرة عن مفاعل تشرنوبل السوفييتي 26 نيسان 1986 إذناً من بولندا أو التشيك- بلغاريا- رومانيا والدول الإسكندنافية قبل أن تدخلها ما بعد ساعات أو أيام بأقصى الحدود.
مرّة أخرى عمدت داعش إلى إرسال رسالة للغرب لا تخطئها أي عين ففي الدقيقة الثانية والنصف من الشريط الذي بثته لإعدام المصريين الأقباط في 15/2/2015 كان يسمع بوضوح صوت «الملقن» أو القائد وهو يعطي الأمر للبدء بعملية الذبح وكان ذلك بلكنة إنكليزية في بريد عاجل (للغرب) بأنه (أي التنظيم) لم يزل إلى الآن يمثل (حجة) لأبنائه (لأبناء الغرب) ولا يزال بريقه يخطف أبصارهم أيضاً.
كانت ردود الفعل المصرية التي تلت الحدث مباشرة مرتبكة جداً وقد جاءت متسرعة بدليل أنه تم التراجع عنها بعد أيام من اتخاذها، ففي اليوم الثاني لبث الشريط (16/2/2015) كلف الرئيس المصري وزارة الخارجية وبعثاتها بالعمل على إجراء الاتصالات اللازمة لأجل استصدار القرارات التي ستشكل مظلة للخطوة المصرية المقبلة، إلا أن تلك التوجيهات كانت قد ذهبت إلى طلب التدخل العسكري الخارجي في ليبيا في مؤشر صارخ لاهتزاز الأعصاب على أعلى المستويات قبل أن يتم التراجع عن الطلب بعد أيام من حدوثه (18/2/2015) كاد الرئيس المصري أن يخطئ الخطأ الفادح الذي يسعى الغرب إلى جره إليه كما فعل أحمد الجلبي في العراق 2003 ومصطفى عبد الجليل في ليبيا 2011، فقد كان لافتاً جداً أن أول المستجيبين لطلب التدخل الخارجي في ليبيا كان إيطالياً عندما دعت وزير الدفاع الإيطالية (روبيرتا بينوتي) 16/2/2015 إلى قيام تحالف دولي جديد لمحاربة داعش يكون تحت قيادتها هذه المرة.
صحيح أن الشريط الآنف الذكر قد احتوى على تهديد بـ«فتح» روما إلا أن ما يدعو إلى السخرية كان تعقيب الخارجية الإيطالية على ذلك التهديد بأنها تأخذه على محمل الجد، كان ذلك لا يعدو أن يكون «حنيناً» إلى ماض استفاق مرة أخرى من جديد في الذات الصناعية الإيطالية (والغربية في أماكن أخرى) وهو يهدف إلى استعادة المشهد القديم الذي كانت عليه ليبيا ما بين 1911-1951م والذي كانت له آثاره الإيجابية بالتأكيد على تلك الذات.
إيطاليا اليوم مستعدة للذهاب إلى ليبيا وإن لم يكن اليوم فغداً، ولا زلنا نذكر «الممرات» الفرنسية التي حاولت باريس إنشاءها في سورية مع بدايات الأزمة السورية 2011 في استعادة هي الأخرى لمشهد (1920 -1946) ولا تخفى اللمسات البريطانية الملتصقة بالأميركان في العراق والتي تطمح بأن تكون جائزتها في تكرار موقعها في العراق بين 1918-1932.
ماذا تغير في المشهد بين اليوم وبين مطلع القرن العشرين المنصرم؟
أظن لا شيء، فالحكومات الغربية هي نفسها إلا أن المتغير هو الوسيلة لاستعادة ذلك الماضي في المنطقة، وتلك هي طبائع القوة إذا ما فشلت في تحقيق أمر ما فإنها تسعى إليه بأساليب أخرى دون أن تمل من تكرار المحاولات مهما تعددت.
الغرب لم يتغير، وفي هذا الظرف العصيب فإن عدم إعطاء هذا الأخير الذريعة التي تمكنه من الدخول إلى المنطقة (بشكل مباشر) هو أفضل المتاح حالياً، شريطة التماسك لهيكلية الدولة الحافظة حتى على طبيعة أشعة الشمس التي تملأ هذه الجغرافيا.
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» المشهد الميداني لمدينة حمص بعد استعادة حي الخالدية
» مصطفى الزائدي: لا نسعى إلى استعادة السلطة بل إلى استعادة الوطن
» فرانكلين لامب: الغرب يستهدف ضباط الأمن السوريين الذين يحمون أمن الغرب و العالم
» الدرسي: الغرب يتعامل مع ليبيا كغنيمة حرب..والقذافي دعم مانديلا واعتبره بطلاً في حين صنفه الغرب "إرهابيًا"
» التسوية.. بين النضوج ومحاولات العرقلة
» مصطفى الزائدي: لا نسعى إلى استعادة السلطة بل إلى استعادة الوطن
» فرانكلين لامب: الغرب يستهدف ضباط الأمن السوريين الذين يحمون أمن الغرب و العالم
» الدرسي: الغرب يتعامل مع ليبيا كغنيمة حرب..والقذافي دعم مانديلا واعتبره بطلاً في حين صنفه الغرب "إرهابيًا"
» التسوية.. بين النضوج ومحاولات العرقلة
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:32 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة سجلات الأعمال الإحصائية للبلدان العربية|قطاع التامين:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:31 pm من طرف ايمان محمد
» دورة إدارة وبرمجة وتخطيط وجدولة وضبط المشاريع بإستخدام الحاسب الالي MS Project و بريمافيرا:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:23 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة تخطيط وتطبيق مكاتب إدارة المشاريع والتحضير لشهادة مدير مشاريع محترف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:19 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة إدارة إتصالات ومخاطر وتوريدات المشاريع|إدارة المشاريع:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:16 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة تطبيقات الحوكمة فى القطاع المصرفى Governance|البنوك والمالية:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:07 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة مبادىء وإعداد القوائم المالية فى القطاع المصرفى|البنوك قطاع المصارف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:04 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة إدارة وتحصيل الإشتراكات التأمينية|البنوك قطاع المصارف:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 3:02 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة استراتيجيات وتقنيات اعداد وادارة العقود والحد من المخاطر المالية والقانونيةالقانون والعقود:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:57 pm من طرف ايمان محمد
» دورات تدريبية:دورة الأســـس الفنيـــة لصياغــــة عقـــود المقـــاولات الإنشائيـــــة|القانون والعقود:مركزITR
الأحد نوفمبر 03, 2024 2:54 pm من طرف ايمان محمد