الفارس الليبي

الخبر يقول . في ليلة شتوية ساحرة بزخات المطر التي تعزف على ضفاف المتوسط الشمالي لحن الحامي الأوحد وأمام موقد النار الذي أشعل الذاكرة الأمريكية بذكريات بدأت من فيلادليفيا حتى إبتلاع أسماك التونة لطيار الأف 14 في خليج التحدي .
الأمريكي كيري يجتمع في روما مع الإيطالي جنتيلوني والألماني كوبلر والقطري محمد بن عبدالرحمن لمناقشة الوضع الليبي وتشكيل الحكومة ومواجهة داعش .
روما موقع القرار . وواشنطن صاحبة القرار . والأمم المتحدة لشرعنة القرار الأمريكي . وقطر الخزينة التي تمول كل الخطط الأمريكية .
الغائب الوحيد هم أصحاب البلد الذين يمتطون صهوة البيانات والوعود أمام السرايا الحمراء . وشعارات الكرامة والتحرير بين سوق الحوت والليثي . ويستلون سيوف الوعيد والتهديد ضد شريك الأرض والأصل والمصير فقط . فلا جنرالات الكرامة لهم وزن في التسوية . ولاالهياكل العظمية بخرافات الزمن الجميل لهم قيمة . ولا المتلبسين بلبوس الدين والشريعة والجنة والتكبير مدعوين حتى ولو بجبر خاطر . والذين لن يكونوا إلا شهود عيان على دقة التصويب والإصابة لصواريخ توماهوك .
الكل غائب وأختصر الجميع في سارج خيول خارج القاعة يجهز خيول فرسان القديس ليفي لدخول عروس البحر والنهر وإستلام سيف الإمارة وفض بكارة خط الموت بطلقات بروتوكولية تثأر لفيلادلفيا وتعزف نشيد بحريتها الذي يتغني بهذه الشواطئ التي حرمت عليها أربعة عقود .
هكذا بكل بساطة . ذهب كيري لروما عاصمة الإستعمار السابق لليبيا والتي أعتبرتها الشاطئ الرابع والتي تريد الحصة الأكبر من الغنيمة عطفا على ذلك التاريخ . بينما كيري ذهب ليؤكد أن الوضع ليس كما كان في 1911 بل تغير وأصبحنا نحن من يقرر ويدير السياسات ويقسم الغنائم .
أمريكا جاءت معها بممول مستعد لدفع كل تكاليف الحملة العسكرية القادمة . بينما إيطاليا تمر بأزمة إقتصادية ومرعوبة من سيل المهاجرين وتقارير الإرهاب ولاتملك من يمول نشاطها وطموحها في المحافظة على النفط والغاز والإستثمارات التي فقدتها منذ دخول الفوضى لليبيا .
مكافحة داعش هو العنوان العريض لإجتماع روما . لكن الحقيقة هي مناقشة إقتسام الغنيمة التي أصبحت جاهزة بعد خمس سنوات من وضعها على نار هادئة .
فرنسا هي الأخرى تتنظر الإجتماع الموسع خارج القاعة بحنين الرجوع لنفوذها السابق في الجنوب الليبي لكنها أيضا تفتقد القدرة والتمويل وتحمل التبعات في بلد مترامي الأطراف .
لكل ماسبق أعطيت روما شرف إحتضان المؤتمر عرفانا بتاريخها القديم في الشاطئ الرابع وإيمانا من واشنطن بأن كل حل غربي في ليبيا لابد أن يمر عبر أجواء روما . وحضرت باريس بأحلام الحصول ببعض الكعكة خاصة وأنها غاضبة من خروجها من المولد بلا حمص في العراق وسوريا .
يبقي كل الأغبياء من مجلس طبرق وكرامته حتى مؤتمر طرابلس وفجره مجرد ملح وفلفل وطماطم الذي أستوجب ذوبانه في الطبخة ليعطي طعما لذيذ وشهي وسهل الهضم للضيوف القادمين من وراء البحر .
هز كيري كتفيه في نهاية الإجتماع فقام القطري بدفع فاتورة الإجتماع ومعها بقشيش سخي ففهم الإيطالي أن القبول بدور إعلامي وبعض بقشيش في ليبيا هو أفضل المكاسب . وأكتفى كوبلر بكتابة محضر الإجتماع قبل أن يقابل الصحافة . بينما السراج وضع هاتفه في الشحن وبحث على أفضل مكان للتغطية منتظرا بشرى أو خبر مفرح يزيح بعض التوتر بعد زيارة المرج التي ورطته فيها المخابرات المصرية والسعودية ... الفارس الليبي