من التحالف الى الصدام: سيناريو مستقبل العلاقات المصرية التركية
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
من التحالف الى الصدام: سيناريو مستقبل العلاقات المصرية التركية
الدكتور خيام محمد الزعبي
اتجهت مصر وتركيا لتعزيز علاقتهما الثنائية بعد الثورة، بما يشكل إعادة توزيع الأدوار وتوازنات القوى بالمنطقة، خاصة بعد التوترات التي شهدتها العلاقات السورية التركية. إن مصر تحظى بأهمية كبيرة لدى الساسة الأتراك، وقد حرصت تركيا على تفعيل علاقتها مع مصر بدءاً من دعم الثورة المصرية ومروراً بالزيارات رفيعة المستوى التي يقوم بها مسؤولون أتراك لمصر والتي تقابلها زيارات أخرى لمسؤولين مصريين الى أنقرة وصولاً لما تم توقيعه وعقده من اتفاقيات وبروتوكولات للتعاون المشترك. إن العلاقات المصرية التركية ليست وليدة اليوم، بل أنها علاقات ممتدة ما بين الشعبين بنيت عبر قرون من التعاون والتقارب، ويرتبط كلاهما بعلاقات وطيدة في الكثير من المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية والاجتماعية والعسكرية لتعزيز التعاون فيما بينهما. مثلت حقبة أواخر الثمانينات مرحلة جديدة جاذبة للجانبين المصري والتركي في آن واحد ليس فقط بسبب انخراط مصر في برنامج الإصلاح الاقتصادي المعتمد على الانفتاح للنهج الليبرالي، بل لأنها مثلت من جانب آخر تحولاً استراتيجياً لتركيا نحو البدء في تنويع سياستها الخارجية على خلفية التغيرات التي شهدتها الساحة الدولية، وأدت الى تنامي المد القومي التركي مع بداية تفكك الاتحاد السوفيتي، والدور المحوري لتركيا في حرب الخليج الأولى، بالشكل الذي شرعت فيه تركيا تدريجياً خلع الرداء التقليدي، واتجاهها نحو تنويع سياستها الخارجية والانفتاح على العالمين العربي والإسلامي. وفي الوقت الذي تنامت فيه ميل السياسة الخارجية التركية بالتوجه شرقاً مع وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة في انقرة، وضيق الأتراك ذرعاً بالشروط الأوروبية لضمهم الى الاتحاد الأوروبي جعلهم أكثر ميلاً الى نهج سياسة التصالح مع الجيران، وبسبب جمود الأوضاع السياسية في مصر وانشغالها بالقضايا الدولية المرتبطة بالولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل، قد أحدث نوعاً من عدم الارتياح لدى القاهرة من التوسع التركي في المنطقة، مما قوّى لديها الشعور بأن تركيا تقوم بتعبئة الفراغ السياسي الناتج عن تراجع الدور المصري على المستوى العربي والدولي والافريقي. لذلك بذلت تركيا العديد من محاولات التقارب مع القاهرة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك من أجل توطيد وتعزيز علاقاتها مع مصر، وبرزت العديد من المعوقات والمعضلات التي وقفت كحجر عثرة أمام هذا المسعى لعل أبرزها طبيعة العلاقات المصرية الأمريكية وارتباطها بالمصالح الإسرائيلية لا سيما في ظل الدعم السياسي والاقتصادي الذي كانت تقدمه حكومة أردوغان لحركة حماس. ومع اندلاع ثورة 25 يناير، وارتفاع الأصوات المصرية والمطالبة بشعارات “الحرية والعدالة" أدركت تركيا أن ثمة تغييراً حقيقياً ستشهده الدولة المصرية، وستلقي بظلالها على طبيعة المرحلة الانتقالية التي يشهدها النظام الإقليمي الراهن مع تزايد وتيرة المظاهرات والاحتجاجات والثورات الشعبية بين دوله المختلفة. عندما اعتلى حزب الحرية والعدالة الحكم في مصر، وما اعتبر آنذاك أن التجربة السياسية المصرية تمثل تكراراّ لتجربة حزب التنمية والعدالة التركي في المنطقة العربية بما يؤهل الدولتين للتقارب من جديد، اتجهت السياسة الخارجية التركية بانتهاج سياسة الدعم والتقارب مع مصر الثورة، وتجلت ارهاصات هذا التقارب والتعاون بينهما، عندما أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في خطابه أمام البرلمان التركي في 2 فبراير 2011، دعم بلاده للثورة المصرية ومطالبة الرئيس بالاستجابة لمطالب الشعب المصري المتمثلة في رحيله وتنحيه عن الحكم، وقد مثل هذا تحولاً نوعياً في السياسة الخارجية التركية تجاه مصر، لذلك كان أول نداء للثورة المصرية صدر من تركيا على لسان رئيس وزرائها وأن أول زيارة لمصر من رئيس دولة بعد الثورة كانت للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. مما سبق وجدت تركيا في النظام السياسي المصري ومصر حليفاً مثالياً يؤازرها فكرياً ويمكن لها الاعتماد عليه للنفاذ الى المنطقتين العربية والافريقية، وعزز ذلك غياب الأطراف الأخرى في المنطقة التي يمكن لتركيا الاعتماد عليها، بالرغم من وجود حلفاء انتقائيين لتركيا تنتفع منهما لأغراض محدد ة سواء في منطقة الخليج وعلى رأسها السعودية التي تعتبر شريكاً مهماً في الاقتصاد أو إسرائيل التي تحتفظ معها بعلاقات عسكرية على الرغم من وجود بعض الخلافات بينهما، بالإضافة الى سوريا والعراق التي أدت بعض الأسباب الى توتر العلاقات فيما بينهما واهمها الازمة الراهنة التي تمر بها الدولتين. واليوم أصبح هناك تغيرات هامة وسريعة على الساحة العربية والدولية في النظام الحاكم في مصر حيث اتسعت رقعة النهوض في صفوف الشعب المصري المناهض لحكم الاخوان والاطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي المنتخب، بعد المظاهرات المليونية والغير مسبوقة التي خرجت في 30 يونيو للمطالبة برحيله. وفي إطار ذلك تلقت السياسة الخارجية التي تنتهجها تركيا لتصوير نفسها نموذجاً في العالمين العربي والإسلامي انتكاسة كبيرة بعد تدخل الجيش المصري في عزل الرئيس محمد مرسي، كون سقوطه كسر جناح القادة المنتمين لتيار الإسلام السياسي في انقرة، لذلك انتقد رئيس الوزراء التركي عزل مرسي وندد بتدخل الجيش المصري قائلاً" لا يمكن الإطاحة بأحد من منصبه الا من خلال الانتخابات، وهي إرادة الشعب". كما أكد وزير خارجيته احمد داوود أوغلو، ان عزل الجيش المصري للرئيس مرسي غير مقبول، ووصف الخطوة التي أقدمت عليها القوات المسلحة بأنها انقلاب عسكري، وطالب أتراك المجتمع الدولي بتحرك ضد القاهرة، كون ان الحزب الحاكم في تركيا نسج علاقات وثيقة مع مرسي وحركة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها، واستثمر الكثير من الأموال في مصر، منذ تولي مرسي منصبه الرئاسي، قدمت تركيا الدعم والقروض وصفقات تجارية بقيمة 2مليار دولار، حيث كانت هذه المساعدات نتيجة الأيديولوجية المتشابهة ودليل على شعبية الإسلام السياسي في البلدين. في مقابل ذلك رأت السياسة الخارجية المصرية أن موقف تركيا مما يجري في مصر يعكس تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي المصري، في إطار ذلك سحب الفريق عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع المصري السفير المصري لدى إسطنبول" العاصمة التركية" بعد توتر ملحوظ في العلاقات بينهما وتبدو هذه الخطوة كبداية لإجراءات تصعيدية في العلاقات بين البلدين من جهة القاهرة وتعكس ما وصلت اليه العلاقات بين البلدين من تدهور. ومما سبق أرى أن هناك شيئاً من التحفظ الحذر في استمرارية التعاون والتنسيق التركي في هذه المرحلة الحرجة مع بقاء الاحتمالات مفتوحة ولو بدرجة ضعيفة لعدم وجود ثوابت تحكم علاقات النظام بشكل عام، لكن كما نرى فإن المسار التعاوني ما زال هو الراجح والعلاقات تتسم بالدفء رغم بروز بعض المظاهر السلبية التي يمكنها عرقلة هذا المسار. فالسيناريو في مستقبل العلاقات المصرية التركية هو إعادة تمتين وبناء العلاقات فيما بينهما واتجاهها نحو التنسيق والتعاون، حيث ان السيناريو مرتبط بخصوصية العلاقات المصرية التركية وتميزها وحرص كل منهما على استمرارية العمل والتنسيق لمواجهة التحديات التي تواجه البلدين على كافة المستويات، ويستند على إقامة علاقات واسعة من التعاون والتنسيق متعدد الجوانب وذلك لتوفر كافة الأسس التاريخية والموضوعية لتحقيقه. ان النهوض بمستوى العلاقات المصرية التركية يتطلب العمل الجاد والحد من العوامل التي تؤدي الى التنافس وتطوير العوامل التي تؤدي الى التعاون فيما بينهما، هذا يحتاج الى آليات تساعد على تحديد الأسس أو الأرضية المشتركة التي يمكنها من خلالها رسم صورة لمستقبل العلاقات المصرية التركية في ضوء المعطيات الراهنة للوصول الى أقرب نقطة ممكنة من نقاط التوازن لبناء علاقة طبيعية تزيل آثار الماضي وصياغة إطار متكامل للتعامل بين هذين البلدين. فما من شك أن مصر وتركيا لهما وزنهما وأهميتهما في المنطقة لذا يجب أن تبقى كلاهما على وفاق ووئام انطلاقاً من استيعاب دروس التاريخ والعبر، لذلك ينظر الشعبين المصري والتركي الى هذه العلاقة على ان لها أهميتها وعمقها وحيويتها الآن وفي المستقبل وهو ما من شأنه ان يصب في مصلحة مسار العلاقات بين هذين البلدين. واخيراً يجب عدم الشعور بخيبة الأمل من مستقبل مصر، فمصر دولة مهمة، وبالتالي فإن حلفائها وشركائها على المستويين الإقليمي والدولي لن يتركوها وحدها، خاصة سورية التي تربطها معها علاقات متميزة على كافة الأصعدة وفي مختلف القضايا فضلاً أن هناك اتفاق كامل بينهما في معظم القضايا المشتركة منذ النضال من اجل الاستقلال ومواجهة أطماع الدول الاستعمارية.
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» العلاقات المصرية التركية: هل لغة المصالح ستحسم الأزمة السياسية
» قراءة في مستقبل التحالف الدولي وآفاقه
» الأبعاد العسكرية في العلاقات الروسية – المصرية
» الحكومة المصرية تدرس قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر
» العلاقات المصرية- الروسية.. قرنان من التباعد والتقارب
» قراءة في مستقبل التحالف الدولي وآفاقه
» الأبعاد العسكرية في العلاقات الروسية – المصرية
» الحكومة المصرية تدرس قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر
» العلاقات المصرية- الروسية.. قرنان من التباعد والتقارب
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 9:34 pm من طرف larbi
» نكبة بلد المشاعر
أمس في 4:41 pm من طرف عبد الله ضراب
» صلاح الدين الايوبي
الخميس نوفمبر 21, 2024 10:36 pm من طرف larbi
» جنائية الدولية تصدر أمري اعتقال ضد نتنياهو وغالانت
الخميس نوفمبر 21, 2024 4:06 pm من طرف larbi
» الى فرسان اليمن
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:52 pm من طرف larbi
» كلمة مندوب الجزائر في مجلس الأمن بعد الفيتو الأميركي ضد قرار وقف الحرب على غزة
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:34 pm من طرف larbi
» كلمة الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:32 pm من طرف larbi
» مقتل جندي و إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 7:00 pm من طرف larbi
» مقتل جندي إسرائيلي و جرحى من لواء غولاني بمعارك جنوب لبنان
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:48 pm من طرف larbi
» بيان المتحدث العسكري باسم الحوثيين العميد يحيى سريع بشأن استهداف سفينة في البحر الأحمر
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 6:37 pm من طرف larbi