أوباما إختار إقتراحاً عسكرياً من ستة خيارات... ما هو ومتى التنفيذ؟

منذ بضعة أشهر، عرض رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأميركي، الجنرال مارتن ديمبسي، على الإدارة السياسية في واشنطن، خططاً للتدخّل العسكري في سوريا. لكن كل إقتراحاته، ومنها نشر جنود داخل الأراضي السورية لتأمين ما يُحكى عن مخازن أسلحة كيماويّة، لقيت الرفض آنذاك، فالرئيس الأميركي باراك أوباما رفض، وما زال يرفض، نشر ولوّ جندي واحد في سوريا، بعد التجربتين غير الناجحتين في كل من أفغانستان والعراق، وهذا ما أدّى إلى إسقاط فرضيّة التدخّل الميداني الأميركي المباشر. كما جرى إستبعاد إقتراح فرض حظر جوّي فوق مختلف الأراضي السوريّة، لأنّه يستوجب إستخدام مئات الطائرات والعديد من حاملات الطائرات مع عشرات سفن الإمداد والحماية. وما يُعرف بإسم No Fly Zone لا يمكن أن يُفرض إلا بعد عمليّات قصف جوّي وبحري على مدى أسابيع، ما يعني تورّطاً مباشراً في الحرب الدائرة. حتى أنّ إقتراح فرض منطقة عازلة حدودية جزئية، إن في الشمال مع تركيا، لتعزيز سيطرة المعارضة على منطقة حلب ومحيطها، أو في الجنوب مع الأردن، لتعزيز سيطرة المعارضة على منطقة درعا ومحيطها، إستبعدت لكونها تستوجب قيام الجيش الأميركي بتأمين حماية عسكريّة دائمة لهذه المنطقة العازلة، وبالتالي التورّط بشكل دائم في الحرب. حتى أنّ خيار مدّ المعارضة السورية بأسلحة أميركيّة حديثة، إستبعد نتيجة تشتّت هذه المعارضة، وعدم ثقة الإدارة الأميركية بكثير من وحدات المعارضة التي يمكن أن تنقلب عليها في أيّ وقت، وأن تحاربها بأسلحتها، كما جاء في تقارير إستخباريّة أميركيّة!

أمّا اليوم، وفي الوقت الذي لم يعد خافياً على أحد أنّ وحدات أميركية صغيرة تعمل في الأردن، في مجالي تقديم معلومات إستخباريّة لوحدات محدّدة من المعارضة السورية، وتدريب بعض وحداتها التي توصف بنواة “الجيش السوري المستقبلي” على الأسلحة، أضافت قيادة الأركان في الجيش الأميركي خيارين إلى لائحة الخيارات السابقة. وقد جاء كل من هذين الخيارين الجديدين بعد أن عقد وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل سلسلة من الإجتماعات العسكرية والأمنيّة، والتي رفع في ختامها خلاصات لما يمكن القيام به بالنسبة إلى الأزمة السورية إلى الرئيس الأميركي الذي، من دون الحصول على “ضوء أخضر” منه شخصياً، لا يمكن القيام بأيّ تحرّك.

الخيار الأوّل: شنّ غارات جويّة على مواقع وثكنات ونقاط تجمّع للجيش السوري، كما حصل في دولة يوغوسلافيا السابقة إعتباراً من 24 آذار من العام 1999، حيث جرى شنّ غارات جويّة غربيّة كثيفة على القوات الصربيّة في كوسوفو، على مدى 78 يوماً (حتى 10 حزيران)، وذلك خارج أيّ غطاء قانوني من مجلس الأمن الدولي، نتيجة “فيتو” روسي، ما أدّى في حينه إلى تبديل في موازين القوى بين القوّات المتقاتلة.

الخيار الثاني: توجيه ضربات صاروخيّة بعيدة المدى لأهداف عسكريّة سوريّة مهمّة، مثل المطارات ومخازن الأسلحة ومنصّات إطلاق الصواريخ وقواعد الدفاع الجوّي، إلخ. وذلك عبر مجموعة منوّعة من صواريخ Tomahawk المصنّفة عابرة للقارات. إشارة إلى أنّ صاروخ “توماهوك” الأكثر رواجاً، يحمل رأساً متفجّراً زنة 450 كيلوغراماً من المواد الشديدة الإنفجار، والأهم أنّ مداه يصل إلى نحو 2500 كلم. وبدقّة إصابة مذهلة، وبكلفة تبلغ نحو ستمئة ألف دولار أميركي للصاروخ الواحد!

وبحسب المعلومات المتوفّرة حتى الساعة، يبدو أنّ الرئيس الأميركي إنتقى الخيار الثاني المتمثّل بقصف صاروخي من البوارج الحربيّة، إنطلاقاً من مبدأ عدم تعريض أيّ عسكري أو طيّار أميركي لخطر مباشر، وفي إطار خطة تقضي بإضعاف النظام السوري، وليس إلى إسقاطه، أقلّه في المرحلة الراهنة. وبناء عليه، جرى في الأيام والساعات القليلة الماضية تحريك البوارج والسفن الحربيّة الأميركية في البحر الأبيض المتوسط، مع تأمين إنتشار أربع مدمّرات تحمل كلّها صواريخ Cruise الموجّهة بأشعّة اللايزر، على مسافة قريبة نسبياً من الساحل السوري، وهي: Ramage وMahan، وGravelly، وBarry.

لكن اختيار الرئيس الأميركي خطة هجوميّة من بين ستة خيارات (4 قديمة و2 محدّثة)، لا يعني أنّ صواريخ “توماهوك” ستبدأ بالسقوط على سوريا في الساعات المقبلة! وفي هذا السياق، عُلم أنّ أوباما طلب من فريق الأمن القومي الذي يضمّ ممثّلين عن أجهزة الإستخبارات الأميركية إلى جانب قادة الوحدات العسكريّة والأمنيّة، إرفاق خيار التدخّل في سوريا، بمعلومات مفصّلة عن إحتمالات الردّ المتوقّعة، خصوصاً لجهة ما يمكن أن تتعرّض له المصالح الأميركية من هجمات، إن في الشرق الأوسط أو في العالم، وكذلك مدى إحتمال الإنتقام من الدول الحليفة لواشنطن في المنطقة، مثل إسرائيل والأردن والمملكة العربيّة السعودية. وليس سرّاً أنّه بدأت تصدر العديد من التحذيرات التي تحذر واشنطن من مغبّة شنّ أيّ هجوم عسكري ضد سوريا، أكثرها جدّية جاء من إيران. وصودفت هذه التطوّرات المتسارعة، مع إجتماع عسكري كان مقرّرا عقده في الأردن منذ مدّة، بحضور مجموعة من القادة العرب والغربيّين، تشمل خصوصاً عشر رؤساء أركان جيوش عالميّة هي: أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا وتركيا، وعربيّة هي: السعودية وقطر والأردن، وذلك لدرس كيفيّة التعامل مع التطوّرات الأمنيّة المتغيّرة في سوريا، لا سيّما لجهة سُبل التنسيق الأمني بين مختلف الجهات المعنيّة بهذه الحرب بشكل غير مباشر.

ويمكن القول في الختام إنّ الإدارة السياسية الأميركية تدرس حالياً وبشكل دقيق جدوى القصف الصاروخي المحتمل على سوريا، لا سيّما لجهة حجم الضعف الذي سيسبّبه للنظام السوري، وكذلك ما إذا كان سيترتّب عنه أيّ تبعات خطيرة على المصالح الأميركية، ومصالح القوى الحليفة. وبناء عليه، سيتم إتخاذ القرار النهائي بمسألة التنفيذ، سلباً أم إيجاباً، في القريب العاجل.