سوريـــة بيـن الإستراتيجيــا و التكتيـــك..
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
سوريـــة بيـن الإستراتيجيــا و التكتيـــك..
أحمد الشرقاوي
*************************
قاربت الأزمة السورية دخول عامها الخامس، ولما يتسنى للإدارة الأمريكية تحقيق أي من أهدافها الكبرى المحددة في الإستراتيجية التي وضعها الرئيس جورج بوش الابن عام 2001 عندما أعلن سوريــة من ضمن دول محور الشر الواجب تدميرها، فوضع لها هدفين رئيسين، وفق ما نشره ‘روبن رايت’ في صحيفة ‘نيويورك تايمز’ شهر أيلول/شتنبر 2013 عن مصادر رفيعة بقيادة الأركان في الولايات المتحدة:
الهدف الأول: كسر الحلقة المركزية في “محور المقاومة” وتشجيع التوسع الإسرائيلي في المنطقة.. الهدف الثاني: وضع اليد على احتياطيات سورية الضخمة من الغاز الطبيعي.
ويشار إلى أنها إحدى الأهداف التي تصب في صلب إستراتيجية المحافظين الجدد لمنطقة الشرق الأوسط، والتي بدأ تطبيقها بمحاولة اجتثاث حزب الله من قبل “إسرائيل” عام 2006، باعتباره الحلقة ألأضعف وفق ما كانت تتوهم الإدارة الأمريكية في حينه، فجاءت النتائج كارثية، حيث كشفت عن مدى قوة الحزب وهشاشة الجيش الصهيوني الجبان الذي كان يعتقد أنه لا يقهر.
وما حصل عام 2003 في العراق وعام 2011 في سورية ثم العودة عام 2014 إلى العراق تمهيدا لإسقاط إيران بعد الانتهاء من حلفائها، يدخل ضمن نفس الإستراتيجية لتحقيق ذات الأهداف التي تنسجم بشكل واضح مع أولويات الأمن القومي الأمريكي في المنطقة كما أصبح معلوما للجميع.
وعندما قلنا في حديثنا عن إستراتيجية أوباما في سورية بأن هذا المدعي الدجال لا يمتلك إستراتيجية واضحة، بدليل أنه فضل انتهاج سياسة الغموض، فلأن ما كان ينفذه في حقيقة الأمر هي خطط مرحلية وضعها البنتاغون بأهداف تكتيكية محددة تصب في تحقيق أهداف نفس الإستراتيجية التي وضعها المحافظون الجدد زمن ‘بوش الصغير’، ما يؤكد أنه عندما يتعلق الأمر بـ”إسرائيل” لا يختلف الجمهوريون عن المحافظين في شيء، إلا في التنافس حول من يخدم الصهيونية أكثر وأحسن.
وبالتالي، ففشل الرئيس أوباما في تحقيق أهداف خططه المرحلية في سورية حتى الآن لا يعني أن الأهداف الكبرى للإستراتيجية الأصلية قد سقطت، وذلك بسبب أن النظام الأنكلوسكسوني، يعتمد في إدارة الحروب والأزمات على ما يسمى “المرونة في التنفيذ”، بحيث تخضع الخطط للتقويم والتعديل المستمر على ضوء المستجدات التي يفرزها الميدان وتغيـر موازين القوى على الأرض، فتعاد الكرة من جديد في كل مرة، إلى أن تتحقق الأهداف الكبرى أو تسقط الإستراتيجية بهزيمة نوعية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تعرض أمن “إسرائيل” للخطر الشديد وأصبحت المصالح الأمريكية في المنطقة في مهب الريح.
والمتابع لتطورات الصراع، يدرك أن فشل خطط قيادة الأركان الأمريكية في سورية استنادا لأداة “المعارضة المسلحة” وانسجاما مع منطق “الثورة” التي تم التسويق له من قبل إمبراطوريات الإعلام في الغرب و”الجزيرة” و”العربية” في المنطقة في المرحلة الأولى، دفع بالإدارة الأمريكية لتبني خيار “الإرهاب” بالتنسيق مع “إسرائيل” والسعودية وقطر وتركيا في المرحلة الثانية، خصوصا بعد أن تبين استحالة اعتماد خيار “إسقاط دمشق” بالحملة العسكرية المباشرة.
حينها لم يكن معلوما السبب الحقيقي لتراجع أمريكا عن خيار إسقاط النظام في دمشق بالقوة العسكرية في الوقت الذي تم الإعداد للحملة العسكرية بكل ما يلزم من قوات وأسلحة وتمويل وخلافه.. وتراجع أوباما في آخر لحظة لم يكن بسبب الكيماوي، والذي قدمه له الرئيس الروسي فقط لحفظ ماء وجهه ومساعدته على النزول من فوق الشجرة، لأن الكيماوي في حد ذاته لا يدخل ضمن الأهداف الإستراتيجية الأمريكية.
وفي هذا الصدد، سبق وأن أشار الصحفي تيري ميسان حينها إلى ذلك بالقول، “إن تمكن الدولة السورية من صد أي عدوان عسكري على أراضيها يعود إلى احتوائها على جزء سري، يصعب تحديده، ولأنه كذلك، يصعب القضاء عليه”.. فما هو هذا الجزء السري يا ترى؟..
لا أحد يعلمه حتى الآن، لكن ما تم تداوله في حينه، هو أن أمريكا تراجعت لأن إيران هددت بإشعال حرب إقليمية تحرق “إسرائيل” ودول الخليج المنخرطة في المحور الأمريكي، ثم دخل الروسي على الخط ليحذر ويهدد باحتمال تطور الأمر لحرب عالمية ثالثة لن تكون روسيا بعيدة عنها..
هذا كل ما نعرفه حتى الآن حول الموضوع، لكن حديث الرئيس الأسد العلني عن قدرة سورية على خطف أبصار الصهاينة، يحمل في طياته دلالات خطيرة لا زالت من المسكوت عنه والممنوع الحديث فيه.. ربما لأن ما قاله الرئيس الأسد هو الجزء السري المخفي الذي يدخل ضمن الأسرار العسكرية.
وبسبب فشل خطة “المعارضة المسلحة” وتراجع أوباما عن شن حملته العسكرية بمعية فرنسا المتحمسة آنذاك، كان واضحا أن ما تبقى للرئيس كأداة للتغيير في سورية هو “الإرهاب”، لأن الفكرة الأساس من وراء الاستثمار في الإرهاب، كانت تقول بأن دخول حزب الله الحرب في سورية وتغيير الجيش العربي السوري لعقيدته الكلاسيكية وتحوله إلى جيش مقاوم بإستراتيجية جديدة، وإعلان الرئيس الأسد أن سورية أصبحت دولة مقاومة، يستدعي الاستثمار في ما عرفناه في حينه بـ”الضد النوعي” أو “إسلام ضد الإسلام” والذي يعني إشعال حرب مذهبية مدمرة بين “السنة” و “الشيعة” بأداة الإرهاب الموجه من الخلف، على أساس تسويق الأمر وكأنه ثورة لـ”المظلومين السنة” كما كان يقول إعلام الزيت، لأن “الإرهاب” هو الوحيد القادر على مواجهة المقاومة بسبب عقيدته “الجهادية” التي أعطت ثمارها في الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي السابق.
لكن فشل “الإرهاب” في سورية، جعل الإدارة الأمريكية تقرر الانتقام من العراق وفق ما أعلنه العميد ‘جزائري’ بعد دخول “داعش” بلاد الرافدين وسقوط الموصل ومساحات واسعة في الشمال والشرق شهر حزيران/يونيو 2014، في ما صوره الإعلام السعودي وكأنه ثورة “المظلومين السنة” ضد الحكم الشيعي الطائفي زمن الرئيس المالكي، مؤكدا أن بلاده تتوفر على وثائق دامغة تثبت ضلوع الأمريكان وكيان الاحتلال وبريطانيا والرجعية العربية بما يجري في العراق وإدارة الاشتباكات الجارية فيه، مضيفا أن المقاومة تم تكريسها في المنطقة، وأن جبهة الاستكبار عاجزة عن القضاء عليها.
ما قاله العميد ‘جزائري’، أكدته مصادر غربية وأمريكية خاصة، بالإشارة إلى أن مشروع “داعش” يتوافق تماما مع الخارطة الأمريكية الجديدة لتقاسم الشرق الأوسط، وجاءت تصريحات الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون لتقطع الشك باليقين، وما تلاها من تصريحات لجو بايدن واتهامه لتركيا والسعودية والإمارات بدعم الإرهاب، وما قاله رئيس المخابرات البريطانية الذي اتهم قطر بتمويل الإرهاب، وغيرهم من المسؤولين الكبار في واشنطن وأوروبا.. والتي كانت تهدف بالأساس لتكريس المزيد من الضغط علي هذه الأدوات للانخراط أكثر في الإستراتيجية الأمريكية بعد أن أدركت واشنطن فشل كل خططها التكتيكية في إحداث التغيير المطلوب، الأمر الذي يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن اللعبة خطيرة وخطيرة جدا كما أكد سماحة السيد حسن نصر الله ذات خطاب، وأنه في غياب خيارات ناجعة أخرى لن تنتهي قريبا إلا بالحسم من قبل محور المقاومة أو الاستنزاف حتى الانهيار والتفكك.. لا خيار.
والذين يقولون أن الإدارة الأمريكية عازمة على القضاء على الإرهاب لأنه يهددها ويهدد أوروبا ودول المنطق، وأنها تخلت عن هدف رحيل الأسد وقررت الانعطاف نحو الحل السياسي بعد فشل الحلول العسكرية بالوكالة.. إنما يهرفون بما لا يعرفون، لأن الجنرال ‘جان آر آلن’ من القيادة العامة في الولايات المتحدة يقول بالنسبة لهذا الموضوع تحديدا، “إن استمرار العمل باتفاقيات ‘سايكس بيكو’ يقتضي التقليل من مساحة سورية بشكل حاسم”، ما يعني، أن فشل أمريكا في إسقاط النظام في دمشق لا يعني التراجع عن خيار تقسيم سورية، حتى لو اضطرت لتعديل خططها في كل مرة بما يخدم هذا الهدف الإستراتيجي الكبير.
لا نعرف ما الذي تعتزم فعله الإدارة الأمريكية اليوم بالتحديد، لكن قراءة المؤشرات المستجدة ميدانيا توحي بأن اتفاقا سريا ما قد تم التوصل له مع تركيا، والذي يبدو أن أردوغان خضع للإرادة الأمريكية بسبب الضغوطات والفضائح التي فجرت في وجهه والاضطرابات التي تعم بلده وتهدد بالإطاحة به..
لكن الأخطر هو تلويح الإدارة الأمريكية بورقة مجلس الأمن لفرض عقوبات على تركيا بسبب دعمها للإرهاب، الأمر الذي دفع بالسلطان أردوغان للطلب من رئيس مخابراته بتدمير كل المعلومات التي تشير من قريب أو بعيد لانخراط تركيا في دعم “داعش”، وفق ما أكدته الصحافة التركية اليوم.
كما وأن موافقته على السماح لعصابات تركمانية بدخول الأراضي السورية ومواجهة الجيش العربي السوري في ريف اللاذقية الشمالي بدعوى تحرير المنطقة وضمها لتركيا باعتبارها من أراضي الإمبراطورية القديمة، يؤشر إلى انخراطه في خطة أمريكية جديدة تهدف إلى اقتطاع جزء من الأراضي السورية، تزامنا مع الجهود السرية التي تقوم بها الإدارة الأمريكية لتوحيد الأكراد ودفعهم للمطالبة بمنطقة مستقلة في الشمال تنضم لاحقا لكردستان العراق، بالرغم من أن الأكراد في الحسكة مثلا، لا يشكلون سوى 36% من السكان.
كما وأن مشروع إقامة منطقة عازلة في الشمال لم يسقط كما يعتقد، بل ربما تم تعديله وفق خطة تقتضي القضم الموضعي للمواقع بشكل تراكمي يؤدي لنفس النتيجة، بحيث تتحول المنطقة إلى مقر لـ”المعارضة المسلحة” الجديدة التي تعتزم أمريكا تدريبها في أذار/مارس من هذا العام في السعودية وتركيا وقطر والأردن، وهو الأمر الذي أكده أوباما وأعلن عنه وزير الخارجية التركي رسميا الأسبوع الماضي.
وما بات يؤكد خطورة ما يحضر لسورية في الشمال، هو قرار القيادة السورية بنشر أنظمة دفاع جوي على طول الحدود مع تركيا، وفق ما أكدته صحيفة ‘وورلد تريبون’ الأمريكية الأربعاء الماضي، و وفق ذات الصحيفة، فإن الجيش العربي السوري وضع رادارات متطورة في المنطقة تستطيع رصد 45 طائرة قتالية تركية. هذه المعلومات تؤكد أن شيئا ما يحضر في الشمال، وأن القيادة السورية مدركة تماما لخيوط اللعبة، وأن الخبراء الروس والإيرانيين يتابعون بدقة التطورات ويحضرون خطط الرد المناسبة والناجعة.
لكن الأخطر هو ما كشف عنه مصدر عسكري سوري رفيع المستوى في رأس السنة، بقوله، إن تنظيم “دولة الخلافة” (داعش) يسعى لإدارة المطار الذي احتله في محافظة الرقة عبر خبراء عسكريين سعوديين و أمريكان بعثتهم وحدة الدفاع الجوي الأمريكي و السعودي. كاشفا أن الخبراء الذين التحقوا بالتنظيم كانوا يقودون طائرات التحالف الدولي ضد داعش و لكن في الواقع قصفوا الأبرياء. موضحا أن تركيز “داعش” على احتلال المطارات بالرغم من عدم أهميتها بالنسبة لها، أتى ضمن تخطيط سعودي أمريكي مسبق لإرسال المساعدات العسكرية لعناصر داعش، بهدف الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وقصف القصر الرئاسي و جلب الحرب في شوارع عاصمة سوريا.
وقال المصدر أن هذه المعلومات حصلت عليها سورية عبر قرصنة أجهزة الاتصالات التي تستخدمها عناصر داعش، وأيضا رصد الأجهزة المخابراتية التي تتواجد في مطار الطبقة العسكرية.
وبالتالي، فما ذهبنا إليه في مقالاتنا السابقة من أن دخول القاهرة على خط الحراك الروسي للحوار السياسي بين أقطاب من المعارضة والحكومة السورية، وما تلاه من اجتماعات مشبوهة للمعارضة في القاهرة والإمارات وتركيا مؤخرا، يهدف إلى إفشال المحاولة الروسية، لأن ظروف وشروط الحل السياسي في سورية وفق الأجندة الأمريكية والصهيونية والسعودية والتركية المشتركة لم تحن بعد., .. ولن تحين قريبا لأن مشروع التقسيم لا يزال قائما ويحضر له على قدم وساق.
هذا ما تعطيه القراءة الموضوعية للمشهد السوري في العام الحالي، ومن يتحدثون عن الحل السياسي استنادا إلى مؤشرات سطحية كفتح الكويت لبعثة قنصلية في بلادها، وقرب فتح تونس لسفارتها في دمشق، والدور المصري القومي العائد بقوة وخلافه… إنما يمارسون هواية التضليل لا فن التحليل..
فليعذرونا، مع كامل المحبة والتقدير.
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» سوريـــة بيـن خيــار الســـلام و استحالــة الحســـم
» تحريــر فلسطيــن..بيـن نبـوءة الرسـول و رؤيـة سلمـان العـودة
» سوريــة.. هواجـس القيـادة بيـن إكراهـات الأمـن و متطلبـات السياسـة
» المنطقـة بيـن عقلانيـة إيـران وجنـون السعوديـة
» ‘أوبامــا’.. بيـن قــرن الشيطـان و صاحـب الزمـان
» تحريــر فلسطيــن..بيـن نبـوءة الرسـول و رؤيـة سلمـان العـودة
» سوريــة.. هواجـس القيـادة بيـن إكراهـات الأمـن و متطلبـات السياسـة
» المنطقـة بيـن عقلانيـة إيـران وجنـون السعوديـة
» ‘أوبامــا’.. بيـن قــرن الشيطـان و صاحـب الزمـان
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:34 pm من طرف larbi
» المقاومة تقتل بطل فنون قتالية إسرائيلي في كمين بلبنان
اليوم في 8:32 pm من طرف larbi
» القسام تصدر بلاغات عسكرية جديدة وتستعرض عملاتها بالفيديو
اليوم في 8:31 pm من طرف larbi
» مراسل التلفزيون العربي يُجمل آخر التطورات الميدانية من جبهة جنوب لبنان
اليوم في 8:29 pm من طرف larbi
» من تحت الأرض" هذا ما فعله الحــزب بقوة إسرائيلية
أمس في 9:31 pm من طرف larbi
» الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 793 من عناصره ونحو 6 آلاف مصاب
أمس في 9:30 pm من طرف larbi
» إعلام إسرائيلي: انفجار مسيرة في قاعدة عسكرية بمنطقة إلياكيم ووقوع إصابات
أمس في 9:21 pm من طرف larbi
» مسيّرة لحزب الله تراوغ دفاعات إسرائيل وتسقط في إلياكيم
أمس في 9:20 pm من طرف larbi
» حزب الله يستهدف قاعدة بحرية إسرائيلية ومقاتلوها يواصلون اشتباكاتهم المباشرة في القطاع الغربي
أمس في 9:19 pm من طرف larbi
» النتن ياهو حزين وسموترتيش غاضب.. حزب الله يقتل 6 جنود من نخبة جيش الاحتلال
أمس في 9:18 pm من طرف larbi