سوريـــة بيـن خيــار الســـلام و استحالــة الحســـم
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
سوريـــة بيـن خيــار الســـلام و استحالــة الحســـم
أحمد الشرقاوي
صحيح أن سورية لم تسقط كما كان مخطط لها برغم أربع سنوات من الحرب والخراب، لكن سورية وبرغم صمودها الأسطوري بفضل حكمة قيادتها وتماسك جيشها وتلاحم غالبية مكونات شعبها لم تخرج بعد من محنتها، ولعل أهم انتصار تحقق حتى الآن، هو أن الشعب السوري لم يسقط في فخ الطائفية البغيضة الذي كان منصوبا له، وهذا لعمري هو العامل الحاسم الذي أفشل المشروع الأمريكي حتى الآن، لأن التقسيم لا يمكن أن ينجح إلا من مدخل الطائفية كما حدث في العراق وليبيا ويراد له أن يحدث في لبنان واليمن أيضا.
معضلة سورية اليوم لم تعد مع السعودية التي اندحرت ميدانيا وإن كان شرها وخبثها لا يزال قائما، بل مع تركيا بالأساس، لأن الأخيرة لا زالت مصرة على الاستمرار في ضخ المقاتلين والمال والسلاح إلى الداخل السوري من دون وازع من ضمير أو رادع من دين، وتصر على تفتيت سورية التي تعتبرها المدخل الطبيعي والضروري لتحقيق وهمها الإمبراطوري من خلال الهيمنة على العالم العربي.
كما وأن أمريكا ما كان لها أن تنخرط في المستنقع السوري لولا استدراجها للمنطقة من قبل السعودية وتركيا و”إسرائيل”، بعد أن باعوها وهم إسقاط النظام في وقت قصير، ما يمكنها من تفكيك بقية حلقات محور المقاومة لحرمان إيران من عمقها العربي والإسلامي.
والحل السياسي الذي كثر الحديث عنه وإن كان هو الخيار المتفق عليه بين الجميع، إلا أنه لا يعني نهاية اللعبة، ما دام الرهان لا يزال قائما على النيل بالسياسة ما لم يستطع حلف المؤامرة أخذه بالقوة، وبالتالي، سيستمر الاستنزاف إلى أن يفعل الله أمرا كان مقدورا..
وإذا كان من حديث عن نهاية اللعبة العسكرية في سورية، فهو ينطبق على الحالة “السعودية” إلى حد ما، كما أوضح سماحة السيد، لا على الحالة التركية التي لم تتنازل قيد أنملة عن مشاريعها المشبوهة، ما يعقد الأمور ويجعل من الحل السياسي وهما بعيد المنال.
وها هي إدارة أوباما الشيطانية لا تزال تصر على غيها وعهرها وإجرامها، وتعلن رسميا عن قرارها بقرب بدأ عمليات تدريب الإرهابيين تحت مسمى “المعارضة المسلحة” في تركيا والسعودية وقطر والأردن.. وهذا ليس غباء وتكرار لأخطاء الماضي كما قد يعتقد البعض، بل خطة شيطانية ترتكز على إستراتيجية الاستنزاف إلى ما لا نهاية، ولا بديل سوى أن يقرر محور المقاومة الحسم في الجبهة الإسرائيلية من مدخل الجولان، لإرغام الأمريكي على الاستغاثة بالروسي للجلوس على طاولة التفاوض من موقع ضعف لا قوة.. وها هي حادثة القنيطرة تمثل فرصة ذهبية لمحور المقاومة، من شأن حسن استغلالها أن يغير المعادلات في سورية والمنطقة.
وعموما، فإن المشهد الميداني اليوم في سورية، وكما كشف عنه سماحة السيد، في ظل الصراع القائم بين النظام من جهة، و”داعش” و”جبهة النصرة” من جهة أخرى، و في غياب ما كان يسمى بـ”المعارضة المسلحة”، لا يمكن أن يفرز حلا سياسيا بين النظام الشرعي ومعارضة سياسية لا تمثيل لها في ساحات القتال، هذا معطى ثاني يكشف للدول المتورطة في الحرب على سورية أنها فقدت أوراق قوتها في المفاوضات، وأن مستقبل سورية يحدده المنتصر لا المهزوم، وأن الإرهاب ليس ورقة سياسية رابحة يمكن التعويل عليها، لأن الورقة الفلسطينية قد تقلب المعادلات في المنطقة والعالم العربي بين عشية وضحاها، وتحول البوصلة من سورية إلى فلسطين.
لكن سماحته وتفضلا منه، ترك الباب مفتوحا للسعودية حين قال، أنها يمكن أن تلعب دورا سياسيا مهما، في إشارة إلى أن محور المقاومة، يمكنه أن يقدم لها ما تستر به عورتها وتنقذ به ماء وجهها، في حال تراجعت عن غيها وعنادها وتخلت عن سياسة شخصنة الصراع، والتزمت بما يخدم مصلحة الشعب السوري والسعودي ومستقبل شعوب المنطقة لا مصلحة أمريكا وإسرائيل.
هذا المعطى، يكشف بالواضح الفاضح، أن من يعرقل الحل السياسي اليوم في سورية هي تركيا التي تتحكم في “داعش” و”النصرة” معا، ولها أطماع في الأراضي السورية، و بدرجة أقل “السعودية” التي فقدت أوراقها على الأرض كما أكد سماحته، ولم تعد تشترط إسقاط النظام وحزب البعث وحل الجيش، وتقبل ببقاء الدولة على حالها شريطة رحيل الأسد “فقــط” (؟؟؟)، حتى لو تم تعيين رئيس جديد من الطائفة العلوية الكريمة، ما يؤشر أن السعودية ليست في وضع تستطيع أن تفرض فيه شروطها، وأنها قد تضطر إلى التنازل عن هذا الشرط أيضا إذا دعت الضرورة، نظرا للمخاطر التي أصبحت تهددها بالانفجار من الداخل، خصوصا في حال استغلت “داعش” و”القاعدة” موت الملك وأوعزت للخلايا النائمة بالتحرك بموازاة هجمات من الشمال والجنوب، حينها لن تستطيع أمريكا أو غيرها حماية المهلكة من السقوط لأن معظم الشعب السعودي داعشي العقيدة قاعدي الهوى.
وصحيح أيضا أن أمريكا لم تعد مهتمة برحيل الأسد أو بقائه في المرحلة المتبقية من ولاية أوباما، حيث قرر الأخير التركيز على إدارة الأزمة دون التسليم بأي حل سياسي لا يلبي الشروط الأمريكية، وعلى رأسها نصيب شركات بلاده في احتياطات الغاز السوري الضخمة وضمان أمن إسرائيل كما أصبح معلوما للجميع..
وفي انتظار ذلك، تستطيع روسيا الدعوة لحوار بين المعارضة والنظام السوري، وتستطيع القاهرة تسويق مبادرتها للحل في سورية، وتستطيع الموزنبيق أو الصومال أيضا التقدم بمبادرة سلام في سورية إن رغبت في ذلك.. لا مانع لدى الإدارة الأمريكة ما دام المطلوب هو إدارة الوقت وإعطاء المزيد من الوقت للوقت، لأن الهدف لم يعد سورية فحسب، بل كل العالم العربي حتى لو تطلب الأمر ثلاث عقود قادمة من الصراع، وبالتالي، فالحديث عن حل سياسي في سورية بمعزل عن وضوح الرؤية فيما له علاقة بالتوازنات الإقليمية الجديدة في المنطقة هو من باب التمنيات ليس إلا.
ومع احترامي وتقديري لما تفضل به السيد وليد المعلم في حواره الأخير مع قناة الإخبارية السورية، من أن “الأولوية الآن في هذه المرحلة من الحرب الكونية المفروضة على سوريا هي القضاء على أدوات إسرائيل في سوريا، لأن إسرائيل تعمل عليهم وتساعدهم والمؤامرة الكونية تستخدمهم، فبقدر ما نحقق إنجازات ميدانية نكون بدأنا بالرد على العدوان الإسرائيلي” (في إشارة للرد على عدوان القنيطرة)، إلا أن الوزير المحترم يعلم علم اليقين أن المنجزات الميدانية ضد الإرهاب التي يتحدث عنها لن تتحقق حتى لو استمرت سورية في محاربته لأربع سنوات أخرى قادمة، ما دامت أمريكا قررت اعتماد سياسة الاستنزاف بالنسبة لسورية، وما دامت تركيا التي قال عنها السيد المعلم أنها “العدو الأساسي للشعب السوري وهي تستغل الجغرافيا وطول الحدود ولم تعد خافية الصلة العقائدية القائمة بين حزب العدالة والتنمية وتنظيم داعش”.. مستمرة في ضخ الإرهابيين والسلاح ما دام الذي يتألم هو الشعب السوري لا التركي.
وبالتالي، لقد آن الأوان ليراجع محور المقاومة سياسته في سورية، وبدل الاستمرار في اللعب مع الأفاعي السوداء في الميدان، الانتقال إلى إستراتيجية توحيد بندقية المقاومة في إتجاه “الهيــدرا” التي تفرخ الأفاعي وتديرهم من فلسطين المحتلة..
نقول هذا، لأنه إذا كانت للحكومات إكراهاتها السياسية، وإذا كان التنسيق بينها على مستوى محور المقاومة لا يرقى لخطورة المرحلة لأسباب عديدة تتعلق بحسابات معقدة، وإذا كان النظام السوري قد قرر نهج خيار الممانعة من قبل، بسبب أنه لا يمكن أن يواجه “إسرائيل” وحيدا خوفا من الخراب في انتظار تبدل الظروف العربية وتحسن شروط المواجهة، فإن سورية اليوم مخربة بالكامل، و”إسرائيل” ستخسر أكثر بكثير من سورية، كما أن الحروب لم تعد نظامية بين الجيوش في عصر المقاومة، فطبيعة المعارك تبدلت، وإستراتيجيات المواجهات تغيرت، وها هي مختلف فصائل المقاومة من إيران والعراق ولبنان وفلسطين تعلن عن توحيد البندقية ضد “إسرائيل”، وها هي روسيا تدخل في تحالف عسكري إستراتيجي مع إيران وتقرر تزويد سورية والعراق ولبنان وإيران بما يلزم من سلاح وعتاد، وبذلك أصبحت روسيا زمن الحاج علي بوتين في صلب معادلة المقاومة في المنطقة..
كما وأن استمرار الاستنزاف في ظل قرار أمريكا والسعودية إعلان الحرب على روسيا وإيران من مدخل سلاح النفط يجعل من هامش مساعدة هذه الدول لسورية يضيق، خصوصا وأن وزير النفط السعودي أعلن رسميا أن بلاده مستعدة لتحمل هبوط الأسعار إلى مستوى 20 دولار، حتى لو اضطرها الأمر لبيع النفط لإسرائيل.. وهذا قرار خطير بحرب معلنة لا يمكن أن يمر من دون رد، والتصعيد في المنطقة وحده قادر على قلب المعادلة ورفع برميل النفط من 40 دولار إلى 250 دولار، الأمر الذي سيترتب عنه تداعيات على مستوى شعوب العالم أجمع، ويجبر دولة الاستكبار وحلفائها الغربيين على التراجع عن خططهم المدمرة في المنطقة.
كما وأن فتح جبهة الجولان للمقاومة يدخل تحديدا في مخطط القضاء على إرهاب “جبهة النصرة” وأخواتها الذي يتحدث عنه السيد وليد المعلم، خصوصا بعد سقوط اتفاق فك الاشتباك الموقع سنة 1974، و ورود معلومات مؤكدة تتحدث عن مؤامرة كبرى تحضر لها “إسرائيل” للسيطرة على القصر الجمهوري في دمشق بفضل آلاف المقاتلين الذين دربتهم أمريكا وحضرتهم للحظة المناسبة، هذا علما أن فتح جبهة الجولان كان وعدا سبق للرئيس الأسد أن أطلقه، وتحرير الجولان بالمقاومة الشعبية حق أصيل للشعب السوري تقره شرائع السماء وقوانين الأرض.
وفي تقديري، هذه هي الورقة التي لوح بها سماحة السيد حسن نصر الله في حواره الأخير مع قناة الميادين حين قال: “لم يقدم أحدا التزاما بأن العدوان على سورية سيبقى من دون رد”.. وهي رسالة تعني الأمريكي بالأساس قبل الإسرائيلي، وتدفعه لإعادة قراءة حساباته الخاطئة في سورية.. لكن الرد الإسرائيلي في القنيطرة أسقط هذه الرسالة ووضع معادلة جديدة تقول، إن تغيير الوضع في الجولان أمر مرفوض.
نقول هذا لأن حزب الله منطقيا، لا يمكن أن يرد من جنوب لبنان على عدوان حصل في الجولان، ناهيك عن أن الوضع السياسي اللبناني الداخلي، وتربص الإرهابيين بالمقاومة، سواء من مخيم عين الحلوة أو عرسال والشمال، لا يساعد على قرار حساس وخطير من هذا النوع في الظروف الحالية، إلا إذا اعتدت “إسرائيل” على لبنان.
ونحن بهذا لا نملي على سورية ومحور المقاومة طبيعة الرد، بل نطرح مجموعة تساؤلات للفهم، تجد لها صدى واسعا في الشارع العربي وتحتاج إلى جواب مقنع، لأن هناك إجماع على مستوى الأمة أن المؤامرة هي صهيونية بامتياز، ومواجهتها لا تكون من خلال اللعب مع الأدوات، بل وكما قلنا في أكثر من مناسبة ومقال.. وجوب التركيز على رأس “الهيــدرا” التي هي أم الإرهاب في المنطقة، وكل المخططات التي تنفد هي لمصلحتها وفي خدمتها، وبالتالي، استمرارها لا يسقط المشروع، ولا يضمن لمحور المقاومة أمنا ولا سلاما..
أما الباقي فمجرد تفاصيل، الهدف منها حرف الأنظار عن جوهر الصراع والتركيز على الأدوات ليس إلا..
السهم الناري- المراقب العام
-
عدد المساهمات : 26761
نقاط : 63480
تاريخ التسجيل : 04/05/2013
الموقع : الوطن العربي
مواضيع مماثلة
» سوريـــة بيـن الإستراتيجيــا و التكتيـــك..
» تحريــر فلسطيــن..بيـن نبـوءة الرسـول و رؤيـة سلمـان العـودة
» سوريــة.. هواجـس القيـادة بيـن إكراهـات الأمـن و متطلبـات السياسـة
» المنطقـة بيـن عقلانيـة إيـران وجنـون السعوديـة
» ‘أوبامــا’.. بيـن قــرن الشيطـان و صاحـب الزمـان
» تحريــر فلسطيــن..بيـن نبـوءة الرسـول و رؤيـة سلمـان العـودة
» سوريــة.. هواجـس القيـادة بيـن إكراهـات الأمـن و متطلبـات السياسـة
» المنطقـة بيـن عقلانيـة إيـران وجنـون السعوديـة
» ‘أوبامــا’.. بيـن قــرن الشيطـان و صاحـب الزمـان
منتديات الدفاع عن الجماهيرية الليبية و سوريا العروبة :: المنتديات السياسية :: منتدى المقالات و التحليلات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:34 pm من طرف larbi
» المقاومة تقتل بطل فنون قتالية إسرائيلي في كمين بلبنان
اليوم في 8:32 pm من طرف larbi
» القسام تصدر بلاغات عسكرية جديدة وتستعرض عملاتها بالفيديو
اليوم في 8:31 pm من طرف larbi
» مراسل التلفزيون العربي يُجمل آخر التطورات الميدانية من جبهة جنوب لبنان
اليوم في 8:29 pm من طرف larbi
» من تحت الأرض" هذا ما فعله الحــزب بقوة إسرائيلية
أمس في 9:31 pm من طرف larbi
» الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 793 من عناصره ونحو 6 آلاف مصاب
أمس في 9:30 pm من طرف larbi
» إعلام إسرائيلي: انفجار مسيرة في قاعدة عسكرية بمنطقة إلياكيم ووقوع إصابات
أمس في 9:21 pm من طرف larbi
» مسيّرة لحزب الله تراوغ دفاعات إسرائيل وتسقط في إلياكيم
أمس في 9:20 pm من طرف larbi
» حزب الله يستهدف قاعدة بحرية إسرائيلية ومقاتلوها يواصلون اشتباكاتهم المباشرة في القطاع الغربي
أمس في 9:19 pm من طرف larbi
» النتن ياهو حزين وسموترتيش غاضب.. حزب الله يقتل 6 جنود من نخبة جيش الاحتلال
أمس في 9:18 pm من طرف larbi